لمحة تاريخية على تطور الحركة الشعرية في ليبيا-ميلود مصطفى عاشور - ليبيا
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

لمحة تاريخية على تطور الحركة الشعرية في ليبيا

  الشاعر رجب الماجري    

ففي نهاية القرن الثامن عشر تنبه العرب إلى ماضيهم، وأدركوا واقعهم المتخلف، فسعوا إلى إحياء الماضي المزدهر بالأصالة، وأمجاد الحضارة الاسلامية. فظهرت حركات الإصلاح الدينية في أقطار الوطن العربي واستطاعت هذه الدعوات إحداث أثر ملحوظ في الأدب العربي؛ إذ لا يخلو ديوان شاعر من شعراء ذلك الزمن إلا ونجد فيه دعوات للتمسك بالدين والحض على التآلف وإحياء الشعور الوطني لدى الناس فكانت تلك الفترة فترة ازدهار المدرسة الإحيائية في الشعر العربي الحديث. ثم تلتها فترة الاتصال المباشر بالغرب مع موجة الاستعمار الأوروبي للوطن العربي، فكان أهم عوامل التأثر المباشر بالثقافة الغربية، حيث سرعان ما نقلت الآداب الغربية إلى العربية، فأذنت بميلاد القصة والمسرحية في الأدب العربي،  ولم يكن الشعر بمعزل عن هذا الزخم الثقافي حيث انتقل هو الآخر إلى فضاءات أرحب وتنوعت اتجاهاته، وتشكلت مدارس الشعر العربي الحديث مثل مدرسة الإحياء والديوان وأبولو والمهجر، وكان لها دور كبير في بلورة اتجاهاته الحديثة.


 


ولم يكن الشعراء الليبيون بمعزلٍ عن حركة التطور التي سادت في الوطن العربي آنذاك؛ حيث واكب أدباء ليبيا وشعراؤها حركة النهضة واستقوا من ينابيعها وتأثروا بمدارسها واتجاهاتها. فالمتتبع لتاريخ الحياة الأدبية في ليبيا منذ الفترة التي أتُّـفِق على أنها البدايةً الفعليةً للأدب الليبي الحديث والتي يؤرخ لها بانتهاء حكم الأسرة القرمانلية لليبيا وبداية العهد العثماني الثاني (الحاجري، محمد. 1983) يلحظ أنها لا تختلف عن غيرها في الوطن العربي، إلا في بعض الخصوصيات التي تعود أصلاً لتكوينها حيث نشأت في أطرٍ محدودةٍ، على مستوى الأفراد والأماكن، حيث كانت الزوايا الدينية، والمجالس الخاصة هي المنتدى أو الصالون الأدبي الذي يأتيه مريدوه؛ يقدمون من خلاله النتاج الأدبي ويتجاذبون فيه الموضوعات المختلفة بالنقاش والنقد والتحليل. فقد عايش الشعراء الرواد في ليبيا أحداث أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، المتمثلة في الانتكاسات والهزائم المتتالية في أطراف الإمبراطورية العثمانية، أمام تقدم الاستعمار الأوروبي الكاسح. كما عايشوا عصر النهضة العربية، وانبثاق حركات الاصلاح ثم حركات المقاومة ضد حملات الاستعمار الأوروبي الحديث فكان لكل تلك العوامل أثر واضح في نتاجهم الشعري. ففي مرحلة الإحياء شهدت الساحة الليبية نبوغ عدد من الشعراء واكبوا بنتاجهم الشعري مرحلة الإحياء في الأقطار العربية حيث كان بعضهم على صلة وثيقة برموز النهضة في مصر. ومن هؤلاء الشعراء مصطفى بن زكري وأحمد الشارف وسليمان الباروني وأحمد قنابة وإبراهيم باكير الذين امتد عطاؤهم الشعري حتى منتصف القرن العشرين. ويعد ديوان الشاعر مصطفى بن زكري الذي طبعه الشاعر في مصر سنة 1892 أول ديوان شعري ليبي في العصر الحديث (جبران، محمد. 2007). ثم تلاه صدور ديوان المجاهد الكبير سليمان الباروني في سنة 1908 ثم برز الشاعران أحمد الشارف وأحمد رفيق المهدوي اللذان سارا في نفس الاتجاه الإحيائي بشعرهما المفعم بالبعد الديني والوطني والاجتماعي. 


وامتد الاتجاه الكلاسيكي للشعر في ليبيا بظهور جيل جديد هم في الواقع تلاميذ تأثروا بأشعار الشارف والمهدوي الكلاسيكية أمثال حسن السوسي وعبد ربه الغناي ورجب الماجري. فمثلوا الجيل الثالث من شعراء ليبيا في العصر الحديث حيث كانوا في بداياتهم ملتزمين بالاتجاه الكلاسيكي، لكن سرعان ما اتسع الأفق الثقافي لدى شعراء هذا الجيل لينفتح على عصر الحداثة وقصيدة التفعيلة، ولعل أولهم الشاعر رجب الماجري الذي تنسب إليه أول قصيدة ليبية من الشعر الحر كتبها في سنة 1953م.  


وقد صنف المؤرخ محمد الحاجري شعراء تلك الفترة إلى ثلاثة أجيال. جيل الشيوخ الكلاسيكيين الإحيائيين ومثَّـله أحمد رفيق، وجيل الشبان ومثله علي صدقي عبدالقادر، وجيل الناشئة ومثله آنذاك رجب الماجري. وإذا كان الرواد الشيوخ على منهج القصيدة التقليدية وحاولوا الرقي بها من حضيض الركاكة والزخارف اللفظية التي هيمنة على العصر السابق، فإن جيل الشبان ما لبث أن أشرب ثقافات عصره الحداثوية بانفتاحهم على شعر التفعيلة وتفاعلهم مع رومانسيات معاصريهم الذين تأثروا بالانفتاح الثقافي على الغرب وبشعراء المهجر، حيث ظهر هذا الأثر في شعر علي صدقي عبد القادر وعلي الرقيعي وخالد زغبية وحسن صالح وغيرهم. وابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ كان من أشهر شعراء ليبيا: الشاعر مصطفى بن زكري، والشاعر إبراهيم باكير، والمجاهد سليمان الباروني، ومحمد السني، وأحمد الشارف، وأحمد قنابة، وأحمد رفيق المهدوي. ثم تلاهم في مطلع القرن العشرين إبراهيم الهوني، وإبراهيم الأسطى عمر. كما نرصد في الثلاثينيات بداية ظهور جيلٍ من الشعراء قدموا إضافات للساحة الشعرية منهم: علي صدقي عبدالقادر، وعلي الرقيعي، وخالد زغبية، وخليفة التليسي، وغيرهم من الشعراء الذين استمرت تجاربهم الشعرية إلى الستينيات، حيث قدموا الشكل الجديد للشعر العربي في ليبيا، متمثلاً في الشعر الحر أو شعر التفعيلة، وإن كان منهم من جمع بين النمطين التقليدي والحديث في قصائده، مثل: حسن السوسي، وخليفة التليسي، والماجري (الحاجري، محمد. 1983).





 
  ميلود مصطفى عاشور - ليبيا (2015-09-13)
Partager

تعليقات:
ميلود عاشور /ماليزيا 2015-10-27
شكرا لنشر المقال المقتضب
البريد الإلكتروني : miloodashur@yahoo.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة
الشاعر رجب الماجري
لمحة تاريخية على تطور الحركة الشعرية في ليبيا-ميلود مصطفى عاشور - ليبيا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia